الأحد، 30 سبتمبر 2018

قصة زائر منتصف الليل الجزء الاول


لازلت أذكر تلك الليلة جيداً التي لن تغيب عن ذاكرتي مادمت حياً ، كيف لا و قد كانت تلك الليلة الأشد رعبـاً في حياتي ، بل إنها أصعب ما مر في حيـاتي على الإطـلاق , لم يكن الأمر سهلاً لتصاب أختي بالجنون من هول ما رأت و أنا أشهد تلك الحادثة بين الحقيقة و الخيـال ، بين الحلم و الواقع و الأساطير الغير المقنعة و الخوف الرهيب .

كان ذلك عندما أرخى الليل بسدوله القائمة على المدينة و بات بدر الليلة الرابعة عشرة من الشهر يختبئ بهدوء خلف سمـاء الأفق الملبـدة بالغيوم الساكنة , لكن ضجيج المدينة و أنوار شوارعهـا كفيلة بإبعاد سكنات الليل الرهيب لطمأنة ما تخاف من قلوب , غادر والداي المنزل لزيـارة جدي مع أعمامي الذي يسكن في المدينة المجـاورة كاجتمـاع عائلي قد اعتدناه كل منتصف شهر و قد بقيت أنا و أختي في المنزل مع خادمتنـا التي تملك غرفة في الملحق على السطح , منزلنـا يتكون من طابقين و ملحق في السطح و حديقة خارجية صغيرة و قبو و موقف سيارات , اليوم أصبحت رجل المنزل المسئول عنه و محل للثقة في عينيّ والديّ , أنا شاب في الثامنة عشرة من العمر في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية و بعد شهرين سأنتقل للدراسات العليا , الأمر ليس سهلاً إذ يتطلب عليّ قضـاء الكثير من الوقت في المذاكرة و لست أجد الوقت الكافي لقضـاء أمسيات مع الصحب و الأقارب , و لذلك رفضت الذهـاب مع والداي للسهر على الدراسة أما أختي ريم التي تصغرني بـثمانية سنين فقد بقيت في المنزل إثر المرض الذي ألمّ بها في حنجرتها مما جعل من صوتها منخفضـاً ضعيفاً , يصعب عليها الكلام و لا تفعل إلا للضـرورة .

[ الفيزيـاء ] هي ما كنت أدرسـه على طاولة دراستي في حجرتي في تلك الليلة , لازلت أذكر تلك الصفحة التي توقفت عندهـا حينما شعرت بالملل جرّاء متابعة المذاكرة دون استراحة , و ضعت القلم الأخضر بين صفحتي الكتاب و أسندت بجذعي نحو الخلف حتى لامست ظهر الكرسي الأملس , أغمضت عيني لشعوري بالإرهاق , و رحت أفكر بما سيؤول إليه مستقبلي بعد شهرين , ثلاث طرقات على باب غرفتي سمعتها حينما اخترقت أذنيّ و سمحت للأفكار بأن تنقطع دون سوابق , أسرعت بالإجابة و أنا أعدل جلستي:" ادخلي " فلابد أنها ريم الشخص الوحيد غيري في المنزل , فتحَت الباب بهدوء ليصدر صريراً ناعماً كوجنتيها التي تتلون بزهور الكرز الوردية , و شعرها البني القصير الذي يصل حتى كتفيها قد تبعثر و يبدو على عينيها النعاس و هي ترتدي ملابس النوم و تحتضن بين ذراعيها " بينـي " الدمية الدب الذي تم حشوها بالقطن , " وليد ! لا أستطيع أن أنام " نطَقَتها بهدوء و ضعف , فلمحت إلى الساعة بجانبي على الطاولة و قد كانت تشير إلى الثانية عشرة و أربعون دقيقة , حولت بنظري إليها و قد أدركت أنها خائفة في هذا المنزل الشبه مهجور , أنا و هي فقط و خادمتنا التي اعتادت النوم في العاشرة ليلاً , مددت ذراعيّ نحوها و ابتسمْتُ تلقائياً لأشعرها بالطمأنينة:" تعالي يا ريم " أقبلت إليّ بهدوء و جثت على ركبتيها لتضع رأسها على فخذي و أنا بدوري وضعت يدي على رأسها أربته بهدوء , و ما هي إلا ثوانٍ حتى بدأت ريم بالتحدث معي," لقد رأيت كابوساً " قالتها بهدوء فما كان مني حتى أصغي إليها , أكملَت ريم:" لم أكن أعرف أين أنا لأن المكان كان مظلماً , لكنني كنت أركض و أصرخ لأن هناك من كان يلاحقني و يصرخ بصوت بشع يناديني و هو يهددني بعدم قدرتي على التكلم مرة أخرى " اهتز كياني و خفق قلبي , فريم لا تزال طفلة و لا يمكن لعقلها أن يستوعب هذا الكابوس المريب لكنها أردفَت:" لم يكن أحد معي يا وليد , لقد كنت خائفة " تكاد دموعها تسيل و أنا أراها مختبئة خلف الجفنان الناعسان , و حتى أبعث إليها بالأمان ابتسمت إليها و قبلتها على جبهتها لأزيح ذلك الخوف الرهيب الذي تملكها:" لا بأس يا ريم .. إنه مجرد حلم " لم تتغير ملامح ريم إذ لم يؤثر عليها شيئاً من كلماتي لكنني تابعت:" لا تخافي يا أختـاه طالما وليد موجود فلن يصيبك أي مكروه بإذن الله , أم أنكِ تشكين بقدراتي ؟ إن كنتِ تشكين بقدراتي فلن أتجاوز اختبـار القدرات بعد شهرين " ابتسمت قبل أن تسقط قطرات عينيها و هي تقول:" لكنك ستجتازه و ستشتري لي الكثير من البوظة كما وعدت " سررت بما رُسم على محَياها و لذلك رددت مسروراً:" بالتأكيد " رغم انشغال عقلي بما قالته .

فجأة و بدون سابق إنذار سمعنا أنا و ريم صوت جرس المنزل

تم والجزء التاني

                            ⚫حارس⚫ القبور⚫

0 تعليقات

إرسال تعليق