الأحد، 30 سبتمبر 2018

الجزء الاخير من زائر منتصف الليل

الجزء الاخير من قصه
زائر منتصف الليل
حتى سمعت صوتها يصدر من الغسالة كما توقعت , " وليد ! " خرجت ريم من الغسالة و انطلقت نحوي تحتضنني و هي خائفة حتى كاد اهتزاز جسمها أن يوقع زلزالاً في المنزل , شيء من الأريحية بدأ يسكن قلبي و لكن الخوف سرعان ما سكنه إذ نحن لازلنا في المنزل الآن .
خرجنا من الباب الخلفي عبر السلم الذي يوصلنا إلى الشارع مباشرةً دون المرور بالمنزل و أنا أمسك بيد ريم التي كانت تمشي خلفي لكنها همَسَت:" وليد ! ماذا عن فاريون ؟ " , تذكرت خادمتنا فاريون التي تنام في الملحق لكنني أجبت ريم:" لا تقلقي عليها سنخرج ثم نعود ", ردت بحروف متقطعة:" و لكنهم سيصلون إليها قبل أن نعود ", فقلت لها:" لا تخافي يا أختاه لقد أقفلت باب السطح " فكما أذكر أن المرأة لا تعرف كيف تفتح الأبواب و رجوت لو يكون زوجها كذلك , فبالكاد استطعنا تجاوز منتصف السلم و لن أعود لأعرض نفسي و لأختي الخطر , سأتصل بالنجدة بعد أن نتمكن من الخروج .
و أخيراً و صلنا إلى باب المبنى , حمداً لله أنهم لم يقفلوه , خرجنا و نحن نجري بسرعة عبر الحديقة الخارجية الصغيرة و باب المنزل الأساسي يبعد عنّا بضعة أمتار و لأنني كنت أسرع من ريم فقد سقطَت أرضاً و انفصلت يدي عن يدها نظرت نحوها فإذا بها تتأوه و تمسك بقدمها اليمنى فعرفت أنها قد أصيبت جراء سقوطها لكنني صرخت:" هيا يا ريم " وقفت ريم لكنها سرعان ما عاودت السقوط فقالت:" لا أستطيع السير فقدمي تؤلمني " و بينما أنا و ريم في ذلك الموقف إذ ومضت نوافذ المنزل كلها كدليل بأن جميع أنوار المنزل قد فُتحت حتى تلك التي لم تكن مفتوحة قبل انقطاع الكهرباء و أنا و ريم بين هول و خوف و ارتعاب فما استطاع شيء من جسدي أن يحرك شيئاً حتى أُغلقت جميع الأنوار دفعة واحدة مرة أخرى و عاودت تشغيل نفسها للمرة الثانية و هي تصدر صوتاً غريباً كمن ينفخ في بوق , أمسكت بيد ريم وحملتها على ظهري على عجل و لكن قبل أن أخطو خطوة واحدة للوصول إلى نهاية الطريق فاجأني ذلك الشيء الضخم الذي يسد باب المنزل كالجدار في طريقي فأدركت من ثباته أنه الرجل الضيف الذي حل على المنزل بعد منتصف الليل فقال:" يا وليد ! هل تخاف من الظلام أم من الموت أكثر ؟ " مع كل تلك المشاعر و الأفكار و الهواجس جعل من قلبي يسقط بين أحضاني و أنا أشعر بأن الموت سيخطفني لا محالة و سأخذل ريم التي ترتعب على ظهري فنظر الرجل إليّ و نطق بكلمات غريبة تشبه تلك الكلمات التي كان يتواصل بها مع زوجته و صوته يزداد ارتفاعاً و خشونة و سرعة أكثر فأكثر ثم رفع الرجل بذراعه ليشير إلى سطح المنزل , نظرت هناك فإذا بشيء معلّق من أعلى السقف مربوط بحبل و بعد بضع ثوانِ أدركت بأن ذلك الشيء ما هو إلا إنساناً قد أحيط الحبل برقبته فعلمت أنها فاريون الشخص الوحيد في المنزل و قد فارقت الحياة فشهقتُ شهقة قوية جعلت من الرجل أن يضحك بل إنه قد قهقه بطريقة هستيرية , و قبل أن التفت إليه لمحت أحدهم يخرج من باب البنـاء الأساسي , امرأة ترتدي عباءة سوداء و يغطي شعرها الأسود الطويل معظم وجهها و هي تسير و لكنها لا تمشي بل و كأن هناك من يدفعها من الخلف حيث لا أستطيع رؤيته , هاهو صوتها قد أظهرته و هي تنطق بتلك الكلمات الغير مفهومة و تنظر إلينا بنظرات قاسية مرعبة و زوجها من خلفي يبادلها تلك الكلمات مصحوبة بالضحك و هما يقتربان منّا أكثر فأكثر , و منزلنا يبعث بعض الموسيقى بأصوات الرياح , لم أشعر بأقدامي في ذلك الوقت بل إن قلبي يتراقص خوفاً و تهتز عيناي ارتعابا و أظافر ريم تخترق جلدي من شدة خوفها , فجأة صوت ما يتعالى بكل عزة و إيمان:" الله أكبر الله أكبر " هاهو موعد أذان الفجر ينطلق من مسجد قريب لمنزلنا و ذلك الرجل و امرأته يتوقفان في مكانيهما صامتان , ثانيتان و انطلقت المساجد الأخرى شيئاً فشيئاً تؤذّن , لاحظت تلوّن ملامحهما إلى التفاجئ فالغيظ فالعبوس ثم الغضب فقال الرجل حانقاً " يا وليد ! ستدفع الثمن " ثم اختفى أمام ناظريّ و اختفت تلك الأخرى دون أن يتركا أثراً حسياً سوى فاريون التي تتأرجح في الأعلى , أما ريم فقد أغشي عليها و أنا بدوري مازلت أرتجف .
أشرقت الشمس و أسدلت بخيوطها الذهبية في أرجاء الحي , وصلت الشرطة , وصل الأهل , و تم تبليغ مكتب السفارة بوفاة فاريون كحادثة انتحار فلا أحد يصدق ما أقول عن ذلك الجني و زوجته إذ كيف لتلك الليلة أن تكون حقيقية , و لهذا السبب صرّح الجميع سبب الجنون الذي أصاب ريم كحادثة أثرت على عقلها لمشهد لم ترى مثله سابقاً أما أنا فقد حاولت متابعة حياتي و كأن شيئاً لم يكن غير بعض الخوف الذي ينتابني أحياناً من الظلام , [ يا وليد ! هل تخاف من الظلام أم من الموت أكثر ؟ ] مقولة الرجل التي لا أستطيع إزاحتها عن ذاكرتي و لم أجد لها إجابة حتى الآن , لكننا في كل الأحوال انتقلنا من ذلك المنزل لعل حال ريم تتحسن , و من ناحيتي أنا فلدي شكوك إن كان الرجل و زوجته قد سكنا هذا المنزل بعد أن لاحظت سقوط الكأس من يدي بعنف دون تزحلق , لقد سمحت لهما بالدخول و لن يخرجا , تباً لقد فعلت. انتهت
⚫ حارس⚫ القبور ⚫

0 تعليقات

إرسال تعليق